غربةُ اللغةِ العربيةِ على ألْسُن أهلها(١)
مع مرور الأيام وتغيُّرِ الأزمان يُلاحَظُ أنَّ اللغةَ العربية تَزدَادُ غُربتُها على أَلسُن المتحدثين بها من جهة، وإهمال استعمالها في حياتهم من جهة أخرى، والأدلة على ذلك أكثر من أن تُحصَى ؛ فأسماءُ المحلات دُوِّنت بلغات غير العربية، والإعلاناتُ يتفننون فيها باللغات الأجنبية، وأيضا صار نطقُ الألسن باللغة الأجنبية المختلطة بقليل من الألفاظ العربية من علامات الوجاهة بل ومؤشرٍ للثقافة.
وزادت غربة اللغة العربية في البلاد الناطقة بالعربية بعد انتشار المدارس الدولية التي لا تعطي اهتماما بتدريس اللغة العربية، ولا تدخل درجات مادة اللغة العربية ضمن درجات المجموع الكلي، وقد حَكى لي بعضُ طلاب هذه المدارس أن اللغة العربية عندهم مجرد اسمِ مادةٍ فقط ، يعطونهم مجموعة من الأسئلة ويأتون بالاختبار منها، وبالأمس القريب شاهدتُ لقطات من إحدى المباريات في الدوري ولوحات الإعلانات المكتوبة بلغات أجنبية تُزيِّن ملعب المبارة من كل اتجاه ولم تقع عيناي على إعلان واحد مكتوبٍ باللغة العربية!!.
إن اهتمام الشعوب بلغاتها أمرٌ حتمي ؛ لِمَا للغة من دور كبير في ترسيخ الهوية من جهة وحب الأوطان من جهة أخرى، فغرسُ حب الوطن والانتماء إليه في قلوب أبنائه لن يكون بلغة أجنبية، وقد حرص علماؤنا في عصور سابقة على ذلك، بل إنَّ العربىَّ قديما كان يرسل بأبنائه إلى البادية لتعلم اللغة واكتساب مفرداتها الرصينة، وكانت القبائل تحتفي بشعرائها وتباهي بهم، وكانت عملية إجادة الكتابة باللغة الأصلية من علامات الكمال الثلاث عند العرب(الكتابة والرماية وركوب الخيل) وكانوا يطلقون على من يجيدها مصطلح(الكَمَلَة).
ورحم الله حافظَ إبراهيمَ القائل على لسان اللغة العربية :
وَسعتُ كتابَ اللهِ لفظًا وغايةً
وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظات
فكيف أضيقُ اليومَ عن وصف آلةٍ
وتنسيق أسماء لمخترعات
أنا البحرُ في أحشائه الدُّرُّ كامنٌ
فهل ساءَلُوا الغواصَ عن صدفاتي