”المُريد” من الحيرة إلى التجلي.. رحلة ذاتية لحائر يهفو إلى الوصول
" المريد".. تجربة ذاتية متصوفة لكاتب سكندري، تبنتها دار روافد للنشر، وطرحتها في معرض الكتاب هذا العام، بغلاف ذو نفحة روحانية خاصة.
"حيرة ثم أنس ثم كشف، لا طلب بغير التباس، ولا كشف بغير ائتناس، خروج ثم عروج ثم ولوج، لولا الخروج ما كان الإياب ولولا السؤال ما كان الجواب، ولولا الطارقون ما كان باب".
لا يلتزم محمد رجب في كتابه لرؤية الصوفية للحياة، بل يتخذها أرضية فلسفية وأدبية لتقديم رؤيته الخاصة، ويعتمد على لغتها ومصطلحاتها ليستعرض تفاصيل رحلته في البحث عن الذات، في سياق حواري يضفر علاقة ثنائية بين مٌريد وشيخه، يقطعان معًا الرحلة من الحيرة مرورًا بالطريق وصولاً للكشف والتجلي.
"أما الطريق فهو مطية السالك وأما الرحلة فغايته"
يحاول الكاتب محمد رجب في رحلته، تقديم تصور مختلف للشيخ أو المرشد، الذي هو بدوره إنسان بكل ما يعتريه المعني من نقص وبحث، ومن ثم فرحلته مع تلميذه المُريد رحلة يختبر فيها كلاهما مستويات جديدة من الشك واليقين، فالحيرة لا تقتصر على المريد طالب العلم والباحث عن الطريق، والشيخ لا يدعي المعرفة ولا يملك يقين النبي جبران، لكن كلاهما يخوض الطريق طالبًا الكشف والفهم والوصول.
"السبحة حبل المريد إلى الله" وربما لذلك جاء النص مرتب فيما يشبه السبحة، يضم تسعة وتسعين مقطعًا، يفصل بينها ثلاثة نصوص كفواصل السبحة ويبدأ بالشاهد (النص المؤسس) وينتهي بالمفاتيح في عشرة مقاطع.
وكما أن العلاقة بين الصوفي والسبحة علاقة حب واتحاد واندماج، يختبر المريد متنقلا بين حبات سبحته وصفحات كتابه معاني مختلفة ومميزة للحب والصلة بين الإنسان وروحه فتارة يناجي نفسه المحتارة الضائعة، وأخرى يشفق لحالها وحيرتها فيعالج جروحها بالحب،
"بوسعك يا ولدي أن تحزن، أن تجزع، تلك من أبواب الله، إن الباب المغلق دونك ليس بمغلق، لكن القلب لا يغريه الباب المشرع، والله يدعوك لتقرع بابه".
السبحة صديق المريد، والأقرب لسره وسريرة قلبه، وصفحات الكتاب أقرب لمناجاة متبادلة بين المريد وسبحته، إليها يُسُر الكاتب بما لا ينطق به، فيقترب بحنو من سرائر نفوس مريدين آخرين أرهقهم البحث عن الطريق، وشتت الحيرة خطواتهم.
يقول الشيخ أحمد بن عطاء الله السكندري: «قال بعض العارفين ...السالك يسبح بذكره في بحار القلب. والمريد: يسبح بقلبه في بحار الفكر".
وفي بحار الفكر، نسبح مع المريد بين صفحات هذا الكتاب، الذي يحمل كثير من الأسئلة أكثر مما يحمل من إجابات، ويشفق على كل سائل يبحث عن ذاته ويتخبط ويتحير في رحلته إليها، بل ويشفق على من عرف الطريق ولم يقصده، ومن قصده ولم يدركه، أو من أدركه ولم يكمله فـ "لا يعني اتباع الطريق حتمية الوصول.. فالطريق رتب فـ "أمض يا ولدي إلى دربك حيثما حل قلبك حللت".