يتهم النقاد ، لا بل الناس جميعاً ، أصحاب الفنون من أدباء وشعراء ورسامين وموسيقيين ، بالخروج على جادة المنطق والبعد عن المصطلح العام والشذوذ عن المجتمع بأخلاق خاصة يتسمون بها وبوادر خلقية نلفت الناس اليهم فيعجبون منهم ويحارون فى هذا الذى يصدر عنهم ، وينسبون ذلك كله الى اضطراب فى اعصابهم وانحراف فى نظرتهم الى الحياة !
فمن هؤلاء من يسرف فى طعامه وشرابه ، ومنهم من ينصرف كلياً الى المرأة تاركا كل شىء حوله مهملاً لكل ما يحيط به ، وقد تجد بعضهم يسيطر عليهم التشاؤم والخوف فيعرض عن وسطه الذى يعيش فيه ، وينأى عن أهله وذويه ، وقد تجد بعضهم الآخر مسرفاً فى حبه للمال يضحى بكل شىء فى سبيل الحصول عليه ، أو تجد منهم ذلك الشاعر الكبير الذى اتسخت ثيابه وسمح نظره فى حين يكون فى غنى فاحش وفى حال من الثراء والغنى يحسد عليها ، ولقد يحيرك فنان كبير أو شاعر كبير خطير إمتلكته نفسه فأصبح متكبراً متعجرفاً لا يرى فى الكون كله الا نفسه ولا يؤمن الا بقدرته الذاتية على الانتاج والعبقرية والسمو الابداعى ، وربما لقيت وأنت تستعرض رجال الفنون هؤلاء شاعراً كبيراً انصرف ذهنه الى اصلاح البشرية ودعوتها الملحة للاستماع الى نصائحه وارشاداته ، وهى نصائح ليست تنفع احداً ولا يؤمن بها انسان .
ومن الغرائب والعجائب ان ترى بعض اهل الفن يترك فنه ليعمل فى ناحية اخرى من الحياة وهى ناحية لا تعلق له بها ولم يخلق من اجلها ، فهو يضيع وقته وفنه فى امور تافهة قد يجدها الناس غريبة عنه فيحاولون ارجاعه الى جادته التى ابدع بها وأجاد ، ولكنه ينفر من كل ناصح ، ويتبعد عن كل واعظ ، ويظل سالكاً سبيله المعوجة الى ان ينقضى زمنه أو يذهب فيه أدراج الرياح جزاء عناده وتشبثه بما لا علاقة له به .