موقف مصر من سد النهضة
يعد سد النهضة الإثيوبي أحد أبرز القضايا المتعلقة بالمياه في منطقة حوض النيل، وقد أثار جدلاً واسعاً بين مصر وإثيوبيا والسودان منذ بداية بنائه في عام 2011. تهتم مصر بشكل كبير بمسألة سد النهضة نظراً لأهميته الكبرى لمواردها المائية الحيوية. يعتمد النيل، الذي يُعتبر المصدر الرئيسي للمياه العذبة لمصر، على أكثر من 90% من إجمالي احتياجاتها المائية، وبالتالي، فإن أي تهديد لموارد النيل يمثل تهديداً للأمن القومي المصري.
مصر تخشى أن يقلل سد النهضة من حصتها التاريخية من مياه النيل، والتي تُقدر بـ 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، حسب اتفاقيات سابقة مثل اتفاقية 1959 بين مصر والسودان. الخوف الأكبر يتمثل في احتمال أن يتسبب ملء وتشغيل السد في خفض منسوب المياه الواصلة إلى مصر، مما قد يؤدي إلى نقص المياه المخصصة للري والشرب، ويؤثر سلباً على الزراعة والصناعة في البلاد. كما تزداد المخاوف من فترات الجفاف التي قد تكون أكثر تأثيراً في ظل وجود السد.
مصر تبنت على مر السنين نهجاً دبلوماسياً وسياسياً في التعامل مع أزمة سد النهضة. شاركت مصر في مفاوضات متكررة مع إثيوبيا والسودان تحت رعاية الاتحاد الأفريقي ووساطات دولية. تطالب مصر بالتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم ينظم عملية ملء وتشغيل السد، بحيث يتم الحفاظ على حصتها المائية وضمان عدم تأثير السد سلبياً عليها. رغم جهود الوساطة، لم تسفر المحادثات حتى الآن عن اتفاق نهائي يرضي جميع الأطراف.
وقد كان اللجوء إلى الأمم المتحدة
في ضوء التعثر المستمر في المفاوضات، لجأت مصر إلى مجلس الأمن الدولي عام 2020، مطالبة بتدخل دولي لحل الأزمة. أكدت مصر أن سد النهضة يشكل تهديداً كبيراً على استقرار المنطقة إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق عادل ومنصف بين الدول المعنية. ورغم أن مجلس الأمن شجع على استئناف المفاوضات تحت مظلة الاتحاد الأفريقي، إلا أن الموقف ما زال معقداً.
تحاول مصر تحقيق التوازن بين حماية مصالحها المائية والحفاظ على علاقاتها الدبلوماسية مع إثيوبيا ودول المنطقة. من بين الخيارات المتاحة أمام مصر: مواصلة الضغط الدولي، اللجوء إلى التحكيم الدولي، أو اتخاذ إجراءات ميدانية في حال استمرار عدم الوصول إلى اتفاق مرضٍ. مع ذلك، ما زالت مصر تؤكد على أهمية الحوار والطرق السلمية لحل الأزمة
التحديات المرتبطة بسد النهضة لا تتعلق فقط بالحاضر، بل تحمل معها تهديدات مستقبلية محتملة على استدامة الموارد المائية في مصر. في ظل التغيرات المناخية وتزايد الطلب على المياه، يصبح الوضع أكثر تعقيداً. لذلك، تسعى مصر إلى تطوير استراتيجيات مائية بديلة، مثل مشاريع تحلية المياه وتحسين كفاءة استخدام المياه، كجزء من خططها المستقبلية للتعامل مع أي نقص محتمل.
موقف مصر من سد النهضة هو موقف حساس يجمع بين الدبلوماسية الصارمة والمخاوف الأمنية. تحرص مصر على حماية حقوقها المائية والحفاظ على استقرارها الداخلي في مواجهة التحديات المائية، مع التأكيد على أهمية التعاون الإقليمي والحلول السلمية للأزمة.